أ. سمية العمودي
رئيسة قسم الخدمات الاستشارية بمكتب هداك
في ظل تسارع التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية، باتت المنظمات غير الربحية تلعب دورًا محوريًا في التنمية المجتمعية. ومع ذلك، تظل هذه الجهات تواجه تحديات جوهرية عديدة، منها:
1. تضخم التكاليف التشغيلية وصعوبة تخصيص الموارد:
العديد من المنظمات غير الربحية تعاني من ارتفاع التكاليف الإدارية، مما يؤثر على قدرتها في توجيه الموارد نحو الأنشطة الأساسية. ووفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء، فإن أكثر من 34% من الجمعيات الخيرية في السعودية تُدرج “ضعف إدارة الموارد” كأحد أهم التحديات المؤثرة على استمراريتها.
٢. غياب التخطيط المالي طويل المدى:
تشير دراسة صادرة عن المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي (2023) إلى أن ما يزيد عن 50% من المنظمات غير الربحية في المملكة لا تمتلك خططًا مالية استراتيجية تتجاوز السنة المالية الحالية. هذا النقص في الرؤية المستقبلية يضعف قدرتها على التوسع أو الاستجابة للأزمات المفاجئة.
٣. ضعف نظم الحوكمة والامتثال التنظيمي:
مع تطور الأنظمة واللوائح الخاصة بالقطاع غير الربحي، خصوصًا في ظل رؤية 2030 أصبحت الحاجة للامتثال التنظيمي أكثر إلحاحًا. ومع ذلك، تفيد تقارير وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بأن أكثر من 40% من المنظمات غير الربحية تُظهر تحديات في الامتثال لمعايير الحوكمة أو إعداد التقارير المالية وفق النماذج المعتمدة.
٤. نقص الكفاءات المتخصصة في الإدارة والتمويل:
على الرغم من وجود الرغبة في التحسين والتطوير، إلا أن المنظمات غير الربحية كثيرًا ما تفتقر للخبرات المتخصصة، مما يجعلها تعتمد على الاجتهادات الفردية. في تقرير صادر عن مؤسسة الملك خالد، تبينّ أن 63% من المنظمات تواجه صعوبة في استقطاب الكفاءات الإدارية والمالية المؤهلة.
٥. صعوبة قياس الأثر وتبرير التمويل:
الجهات المانحة والممولون أصبحوا أكثر تطلبًا في ما يتعلق بقياس الأثر وفعالية الأداء. ومع ذلك لا تزال الكثير من الجهات الخيرية تعتمد على مؤشرات وصفية تقليدية، دون تبني أدوات القياس الحديثة، وهذه الفجوة تقلل من فرص التمويل وتعزز فجوة الثقة.
لماذا أصبح اللجوء للمتخصصين ضرورة استراتيجية لا خيارًا؟
إن المنظمات غير الربحية اليوم لا تواجه فقط تحديات تشغيلية، بل تحديات وجودية في بيئة تزداد فيها المتطلبات الرقابية، ويتنامى فيها الوعي المجتمعي والمساءلة حول جدوى العمل الخيري وأثره الحقيقي. ومع هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى أدوات حديثة في الإدارة، والتخطيط المالي، وقياس الأداء، لا يمكن توفيرها عبر الاجتهادات الذاتية أو الحلول قصيرة الأجل.
وتشير البيانات المحلية بوضوح إلى فجوة واضحة في القدرات الداخلية للمنظمات غير الربحية، لا سيما في الجوانب التالية:
- إعداد خطط استراتيجية وربطها بموازنات مرنة وقابلة للتكيف.
- تصميم مؤشرات أداء تعكس الأثر الاجتماعي الحقيقي، وليس فقط عدد الأنشطة أو المستفيدين.
- ضبط الحوكمة وتقارير الالتزام بما يتوافق مع معايير الجهات الرقابية والمانحة.
- ترشيد الإنفاق دون الإضرار بجودة المبادرات المجتمعية.
- بناء هياكل إدارية فعّالة تستند إلى الكفاءات وليس إلى الأدوار التقليدية.
هذه الاحتياجات لا تُسد من خلال التدريب أو الورش العامة فقط، بل من خلال شراكات استشارية متخصصة تُبنى على فهم عميق للقطاع، وسياقه المحلي، ومتطلبات الجهات المانحة والرقابية. لذلك فإن الاستعانة ببيوت خبرة تجمع بين المعرفة الفنية والتجربة المحلية، تمثل أحد المفاتيح الرئيسة لتعزيز كفاءة الأداء وضمان استدامة الأثر.
في نهاية المطاف، المنظمات غير الربحية التي تستثمر اليوم في تطوير إدارتها ومواردها المالية باحترافية، هي الجهات التي ستكون قادرة على النمو، وتوسيع قاعدة شركائها، وإحداث التغيير الذي تنشده على المدى البعيد.