الاستثمار الاجتماعي /الاستراتيجية المزدوجة لتحقيق الاستدامة وتعظيم الأثر

المستشار محمد العمودي

تسعى الجمعيات الأهلية دومًا إلى تحقيق الاستدامة المالية وتعظيم أثرها الاجتماعي من خلال تبني استراتيجيات مبتكرة ومشروعات ذات قيمة. ويأتي “الاستثمار الاجتماعي” كأحد أبرز التوجهات الحديثة التي تجمع بين الأهداف التنموية والعوائد المالية، مما يجعله أداة فعّالة لتحقيق رؤى الجمعيات الأهلية في خدمة المجتمع وتوسيع نطاق أنشطتها.

 

ما هو الاستثمار الاجتماعي؟

عرف المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي الاستثمار الاجتماعي بأنه (استثمار يهدف لمعالجة تحدي اجتماعي / بيئي مع تحقيق عوائد مالية) تساعد في استدامة هذه المشروعات. ويركز الاستثمار الاجتماعي على تحسين البنية المجتمعية وتعظيم العوائد الاجتماعية، مع تحقيق عائد مالي يمكن استثماره في مشاريع مستقبلية، مما يرفع من فعالية المنح وتعظيم أثره الاجتماعي ويساعد الجمعيات على تنويع مصادر دخلها.

 

معايير الاستثمار الاجتماعي

كي يتحقق الهدف الرئيسي من الاستثمار الاجتماعي، يجب أن يتم وفق معايير محددة تشمل:

  1. إحداث تأثير إيجابي ملموس: يتعين أن يكون للاستثمار دور مباشر في معالجة قضية مجتمعية محددة، كالتعليم أو الصحة أو حماية البيئة.
  2. تحقيق عائد مالي مستدام: ينبغي أن يولد الاستثمار عائداً مالياً يمكن إعادة ضخه في المشروعات لتدعيم استدامة الجمعية وتحقيق رؤيتها على المدى الطويل.
  3. قابلية القياس: يجب أن يكون الأثر الاجتماعي أو البيئي الناتج عن الاستثمار قابلاً للقياس والتقييم، بحيث يمكن تتبع الإنجازات وتحليل الأثر المجتمعي.

 

أهمية الاستثمار الاجتماعي للجمعيات الأهلية

للاستثمار الاجتماعي دور حيوي في تمكين الجمعيات الأهلية من تحقيق استدامة أعمالها وزيادة عوائدها المالية، وتتمثل آثاره الإيجابية فيما يلي:

  • المساهمة في حل القضايا المجتمعية: من خلال الاستثمار الاجتماعي، يمكن للجمعيات تقديم حلول مستدامة لقضايا حيوية تؤثر على المجتمعات مثل الصحة والتعليم والطاقة.
  • تعظيم أثر المنح: عوضًا عن الاعتماد الكامل على التبرعات والمنح الخارجية، يسهم الاستثمار الاجتماعي في تحقيق عوائد مالية تُستخدم لدعم برامج الجمعية وتوسيع نطاقها.
  • تحسين البنية التحتية للمجتمع: تدعم المشاريع الاستثمارية المختلفة تطوير البنية التحتية المحلية، مما يسهم في تحسين جودة حياة الأفراد ويعزز من قدرة المجتمع على تحقيق الاكتفاء الذاتي.
  • الاستدامة المالية: يساعد الاستثمار الاجتماعي الجمعيات الأهلية على تحقيق استدامة مالية مستقرة، وتقليل الاعتماد على التبرعات المتغيرة، مما يمنحها مرونة في توسيع أنشطتها وتنفيذ برامج طويلة الأجل.
  • خلق فرص عمل جديدة: تساهم المشاريع المدعومة بالاستثمار الاجتماعي في توفير فرص وظيفية، مما يساعد في تقليل نسبة البطالة ودعم الاقتصاد المحلي.

 

مجالات الاستثمار الاجتماعي

يغطي الاستثمار الاجتماعي مجموعة متنوعة من المجالات الحيوية، التي تشمل:

  1. الخدمات المجتمعية: تتضمن هذه المشاريع تقديم خدمات أساسية تساهم في رفع مستوى المعيشة للمجتمعات المحلية.
  2. التعليم: يمكن استثمار الأموال في برامج تعليمية وتدريبية تعزز من فرص العمل وتطوير قدرات الشباب.
  3. الطاقة: دعم مشاريع الطاقة المتجددة أو تحسين كفاءة استخدام الطاقة لدعم الاستدامة البيئية.
  4. الثقافة: الاستثمار في تعزيز الهوية الثقافية وحفظ التراث المجتمعي، مما يعزز الوعي الثقافي ويثري الحياة الاجتماعية.
  5. البيئة: الاستثمارات التي تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية ومكافحة التغيرات البيئية كإعادة التشجير أو معالجة النفايات.
  6. الصحة: دعم المشاريع الصحية التي توفر خدمات علاجية ووقائية ميسورة التكلفة لشرائح أكبر من المجتمع.
  7. الحج والعمرة: تحسين جودة الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين من خلال مشاريع بنية تحتية وخدمية مستدامة.
  8. الإسكان: توفير مشاريع إسكان لذوي الدخل المحدود، مما يسهم في تحسين الأوضاع المعيشية لفئات مختلفة من المجتمع.

 

فوائد الاستثمار الاجتماعي للجمعيات الأهلية

  • استدامة مالية طويلة الأمد: يتيح الاستثمار الاجتماعي للجمعيات الأهلية تحقيق عائد مالي يساعدها على تغطية نفقاتها ودعم مشروعاتها بدون الحاجة الدائمة إلى منح خارجية.
  • تعزيز الثقة مع المانحين والداعمين: يضفي الاستثمار الاجتماعي مصداقية على عمل الجمعية، حيث يُظهر كفاءة في إدارة الموارد واستثمارها بشكل يعزز من دور الجمعية في المجتمع.
  • رفع الكفاءة التشغيلية: من خلال العوائد التي يتم توليدها من الاستثمارات، يمكن للجمعيات تحسين أدائها التشغيلي وتوجيه الأموال لتطوير خدمات جديدة أو رفع جودة الخدمات المقدمة.
  • التأثير الإيجابي المستدام: يحقق الاستثمار الاجتماعي عائداً اجتماعياً إلى جانب العائد المالي، حيث يُسهم في رفع مستوى الرفاهية بالمجتمع ويعزز من قوة الجمعيات على مواجهة التحديات المجتمعية.

 

كيف تبدأ الجمعيات الأهلية في الاستثمار الاجتماعي؟

  1. تحديد القضايا الاجتماعية الملحة: يجب أن تبدأ الجمعيات بتحديد القضايا الاجتماعية التي تحتاج إلى تدخل وحلول مبتكرة وتتوافق مع تخصصها وأهدافها الاستراتيجية، بحيث يمكن توجيه استثماراتها لتحقيق أقصى تأثير ممكن.
  2. التخطيط الاستثماري: إعداد دراسة جدوى شاملة لتحديد الفرص الاستثمارية المتاحة ووضع الأهداف وتحديد العائد المالي والاجتماعي المتوقع من الاستثمار.
  3. إعداد معايير قياس الأثر: يتطلب الاستثمار الاجتماعي وجود آليات لقياس الأثر، بحيث يمكن تقييم ما تم تحقيقه من نجاحات أو تحديات.
  4. بناء شراكات استراتيجية: التعاون مع الجهات الداعمة والممولين، وإقامة شراكات استراتيجية تساهم في دعم الاستثمار وتبادل الخبرات.

 

خاتمة

إن الاستثمار الاجتماعي يمثل تحولًا نوعيًا في مسيرة الجمعيات الأهلية نحو تحقيق أهدافها التنموية وتعظيم أثرها في المجتمع. ومن خلال اعتماد هذا النهج، يمكن للجمعيات الأهلية تحقيق الاستدامة المالية، وزيادة قدرتها على مواجهة التحديات المجتمعية، وتعزيز دورها كمحرك للتنمية والابتكار في المجتمع.

 

الاستثمار الاجتماعي هو أكثر من مجرد وسيلة للربح؛ إنه التزام بتعظيم الأثر الاجتماعي وتعزيز المسؤولية تجاه المجتمع والبيئة.

 

شارك المنشور

مقالات اخرى