د. حنان درويش عابد
في بيئة تتسابق فيها الجمعيات الأهلية لصناعة أثرٍ أعمق، وتقديم خدماتٍ أكثر جودة، تبقى الإدارة المالية هي الكنز الأثمن الذي يضمن بقاء هذا الأثر حيًا، منظمًا، وشفافًا. فليست الموارد المالية مجرد أرقام تتحرك بين مصروف وإيراد، بل عقلٌ مُخطِّط، وضميرٌ يقظ، ولغةٌ توصل رسالة الجمعية كما يفعل كل مشروع تُقدّمه للمستفيدين.
وعندما نتحدث عن “كنوز المعرفة” في عمل الجمعيات، فإن أول تلك الكنوز هو إتقان الإدارة المالية؛ لأنها تمثل البوابة التي تعبر منها كل عمليات التخطيط، والتنفيذ، والحوكمة، والاستدامة.
١. المال… حين يتحوّل من مورد إلى رسالة
في العمل الأهلي، المورد المالي ليس مجرد دعم يستلمه صندوق الجمعية؛ بل هو أمانة و”تكليف” يحمّل المؤسسة مسؤوليات مضاعفة. كل ريال يدخل إلى الجمعية يحمل معه سؤالين:
- ماذا سيصنع من أثر؟
- وكيف سنوثّق أثره؟
الإدارة المالية الواعية تحوّل هذا المورد إلى رسالة واضحة تعكس نزاهة الجمعية واحترامها لمبادئها.
٢. الشفافية… حجر الأساس في ثقة المجتمع
الشفافية المالية ليست مطلبًا تنظيميًا فحسب؛ إنها قيمة مؤسسية تشكّل جوهر مصداقية الجمعية.
فعندما يرى المانح والمستفيد والشريك المالي أن الجمعية تُفصّل مصروفاتها، وتعرض تقاريرها، وتبرّر قراراتها المالية، فإن الثقة تتحوّل إلى شراكة مستدامة.
٣. التخطيط المالي… الذكاء الذي يسبق كل خطوة
الجمعية التي تُدير مالها دون خطة، كمن يسير في طريق بلا خارطة. أما الجمعية التي تملك خطة مالية دقيقة فإنها:
- تتوقع مواردها،
- تقلل مخاطرها،
- تنسق التزاماتها،
- وتحمي أحلامها من التعثر.
التخطيط المالي هنا ليس أوراقًا، بل رؤية استشرافية تجعل الجمعية قادرة على النمو دون تهور، وعلى التوسع دون أن تفقد توازنها.
٤. التقارير المالية… ذاكرة الجمعيات وأدوات قيادتها
التقارير ليست إجراءات روتينية، بل مرآة نزيهة تكشف ما يحدث داخل الجمعية. وتتحول إلى كنز معرفي حين تتم قراءتها بوعي إداري يطرح أسئلة التطوير:
- أين كنا؟
- أين نقف؟
- وما الذي يجب تعديله أو تحسينه
٥. التقنية… صديق الإدارة المالية لا عدوها
تطبيقات مثل Power BI، والأنظمة المحاسبية السحابية، وبرامج تتبع المصروفات، ليست رفاهية…
إنها تقنيات تجعل الجمعية أكثر وضوحًا، وأكثر موثوقية، وأكثر استعدادًا للمستقبل. التقنية تمنح الجمعية:
- قراءة فورية للحالة المالية،
- تحليل للاتجاهات،
- إدارة أفضل للمشاريع،
- وقدرة على اتخاذ قرار سريع ودقيق.
٦. الإدارة المالية… فن الأثر لا فن الأرقام
الحقيقة التي يجهلها البعض هي أن الإدارة المالية الجيدة لا تتعلق بالمحاسبة فقط، بل بـ توجيه الأثر.
فالجمعية التي تتقن إدارة مالها، تتقن إدارة أثرها، وتصل إلى المستفيدين بطريقة أكثر عدلًا وكفاءة.
“الأثر يبدأ من الإدارة المالية، وينضج في التقارير، ويتألّق في أعين المستفيدين.”
الإدارة المالية ليست ثقافة نخبوية، بل مهارة تحتاجها كل جمعية تريد أن تعيش طويلًا، وتقدّم أثرًا نزيهًا، وتبني شراكات تثق بها الجهات الداعمة.